فصل: 3- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.5- وفاته:

قدم من العراق حاجّا فمرّ بالربذة، وشهد وفاة أبي ذر ودفنه، ثم قدم المدينة فمرض بها، فجاءه عثمان بن عفان عائدا، فيروى أنه قال له: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ فقال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر بعطائك؟ وكان قد تركه سنتين، فقال: لا حاجة لي فيه، فقال: يكون لبناتك من بعدك؟ فقال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قرأ الواقعة كلّ ليلة لم تصبه فاقة أبدا». وحين مات صلّى عليه الزبير بن العوام لوصيته، ودفن بالبقيع سنة (32 هـ) رضي الله تعالى عنه.

.3- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

.1- التعريف به:

هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولد والرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه محاصرون في شعب أبي طالب، ويعرف اليوم باسم العنزة، فأتي به رسول الله فحنّكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين.
لازم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقرابته منه، ولأن ميمونة خالته زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان يبيت عندها حين يبيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندها، فإذا قام من الليل قام ابن عباس يهيئ له وضوءه ويصلي خلفه، ولقد دعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بعد أن مسح على رأسه- بقوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل».
روى البغوي بسنده إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه وقع في عينيه الماء، فقال له الطبيب: ننزع من عينيك الماء على ألّا تصلي سبعة أيام، فقال: لا، إنه من ترك الصلاة وهو يقدر عليها لقي الله وهو عليه غضبان. وقال رضي الله تعالى عنه حين عمي:
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ** ففي لساني وسمعي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ** وفي فمي صارم كالسيف مأثور

.2- علمه:

كان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يلقّب بالحبر والبحر، لكثرة علمه وتبحّره فيه، وكان على درجة عظيمة من الاجتهاد والمعرفة والرئاسة والفتوى، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يحضره مجالسه مع كبار الصحابة رضوان الله عليهم، ويدنيه منه، وكان يقول له: إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم خلقا، وأفقههم في كتاب الله تعالى.
وقال عبد الله بن عمر فيه: ابن عباس أعلم أمة محمد بما أنزل على محمد.
روى البيهقي بسنده إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت لرجل من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنهم اليوم كثير. فقال: يا عجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فيهم! قال: فترك ذلك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل- نائم في وسط النهار- فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله، ما جاء بك؟ هلّا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول: لا... أنا أحق أن آتيك، قال: فأسأله عن الحديث. قال: فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع حولي الناس يسألوني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني.
قال عطاء: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس ولا أكثر فقها ولا أعظم هيبة، أصحاب القرآن يسألونه، وأصحاب العربية يسألونه، وأصحاب الشعر يسألونه، فكلهم يصدر في واد واسع.

.3- مكانته في التفسير:

لقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس أن يفقّهه الله تعالى في الدين، ويعلمه فهم القرآن وتأويله، فأصابه دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقد أعطاه الله لسانا سئولا وقلبا عقولا، فكان يسأل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن القرآن وما نزل منه، حتى أضحى أعلم الناس بالقرآن.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس. وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ابن عباس أعلم الناس بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
روى ابن كثير في تاريخه، عن أبي وائل شقيق بن سلمة: خطب ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة البقرة، فجعل يقرؤها ويفسّرها، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله، ولو سمعته فارس والروم لأسلمت.
قال إسحاق بن راهويه: إنما كان ذلك- أي كون ابن عباس أعلم من علم بالقرآن- أنه كان أخذ من علم التفسير، وضمّ إلى ذلك ما أخذه عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبيّ بن كعب وغيرهم من كبار الصحابة، مع دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له أن يعلمه الله الكتاب.

.4- رواية التفسير عنه:

لزم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنين قليلة، وأخذ عن كبار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطال عمره، حتى أضحى أكثر من نقل عنه تفسير القرآن الكريم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقد رويت أقواله في بيان القرآن الكريم وتفسيره، بطرق عديدة أشهرها طرق ثلاث:
أ- طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهذه هي أجود الطرق عنه، وقد اعتمد عليها البخاري فيما يعلقه عن ابن عباس، وكثيرا ما يعتمد عليها ابن جرير وغيره.
ب- طريق قيس بن مسلم الكوفيّ، عن عطاء بن السائب، وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهذه طريق صحيحة على شرط الشيخين، وكثيرا ما يخرج منها الحاكم في مستدركه.
ج- طريق ابن إسحاق- صاحب السيرة- عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهذه طريق جيدة وإسنادها حسن، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا.

.5- وفاته:

كان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد اختار المقام بمكة المكرمة، وقد اعتزل الفتن، فلما كانت خلافة عبد الله بن الزبير مقرها مكة المكرمة، خرج ابن عباس عنها إلى الطائف، وأقام بها حتى مات، وقد كفّ بصره، وصلّى عليه محمد ابن الحنفية، وقبره بجوار مسجد ابن عباس بالطائف.
وكانت وفاته سنة (68 هـ) رحمه الله تعالى ورضي عنه.

.4- أبيّ بن كعب رضي الله عنه:

.1- التعريف به:

هو أبو المنذر أبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي.
أسلم قبل هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة، وشهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، وكان يكتب في الجاهلية قبل الإسلام، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وآخى رسول صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهما.

.2- علمه:

صحب أبيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مقدمه المدينة المنورة صلّى الله عليه وسلّم، وأقبل على كتاب الله تعالى يقرؤه ويفهمه ويعمل به، فكان حقّا صاحب علم وورع وزهادة.
روى ابن سعد بسنده إلى أنس رضي الله تعالى عنه قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبيّ بن كعب يوما فقال: «إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك، قال: الله سمّاني لك؟ قال: الله سمّاك لي» فجعل أبيّ يبكي.
قال مسروق: كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، وأبيّ، وزيد، وأبو موسى، رضي الله تعالى عنهم.

.3- مكانته في التفسير:

لقد أخذ أبيّ من فم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض القرآن الكريم- كما ذكرنا آنفا- وأخذ باقيه عنه قراءة وتعليما مع كرام الصحابة رضوان الله عليهم، وقد أثنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قراءته. فقال: «أقرأ أمتي أبيّ بن كعب».
روى ابن سعد في طبقاته عنه قوله: إنا لنقرؤه في ثمان، يعني القرآن الكريم.
وعن زر بن حبيش- أحد كبار القرّاء من التابعين، أخذ القرآن وتفسيره عنه- قال: في أبيّ بن كعب حدّة، فقلت له يوما: يا أبا المنذر، ألن لي من جانبك، فإني إنما أتمتع منك.
وكان رضي الله تعالى عنه- قبل إسلامه- حبرا من أحبار اليهود العارفين بأسرار الكتب السابقة عن القرآن الكريم، وما ورد فيها، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان أحد مراجع الصحابة والتابعين في قراءة القرآن الكريم، ومعرفة تفسيره كابن عباس وغيره، فكان بهذا عارفا بأسباب نزول الآيات ومواطنها، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يسميه: سيد المسلمين، وقد أمره عثمان رضي الله تعالى عنه أن يجمع القرآن.

.4- رواية التفسير عنه:

ذكرنا أن أبيّا كان يكتب الوحي لرسول صلّى الله عليه وسلّم، فمن البعيد أن يكتب آية ثم لا يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن معناها، ويعرف سبب نزولها وموضعه، لذا فقد كان أحد المكثرين في تفسير كتاب الله تعالى.
وقد رويت أقواله في بيان القرآن وتفسيره بطرق عديدة أشهرها طريقان:
أ- طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ رضي الله تعالى عنهم. وهذه طريق صحيحة، وقد ورد عن أبيّ نسخة كبيرة في التفسير، يرويها أبو جعفر الرازي بهذا الإسناد إلى أبيّ، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا، وأخرج الحاكم منها أيضا في مستدركه، والإمام أحمد في مسنده.
ب- طريق وكيع عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، وهذه يخرج منها الإمام أحمد في مسنده، وهي على شرط الحسن.

.5- وفاته:

روى ابن سعد بسنده إلى عتيّ بن ضمرة السعدي قال: قدمت المدينة في يوم ريح وغبرة، وإذا الناس يموج بعضهم في بعض، فقلت: ما لي أرى الناس يموج بعضهم في بعض؟ فقالوا: أما أنت من أهل هذا البلد؟ قلت: لا، قالوا: مات اليوم سيّد المسلمين أبيّ بن كعب.
وكان ذلك في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، وقد رجّح ابن سعد في طبقاته أنه كان في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه سنة ست وثلاثين من هجرة من له العزة والشرف صلّى الله عليه وسلّم، ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ورضي عنه.

.ثانيا: أشهر المفسرين من التابعين رحمهم الله تعالى:

اشتهر عدد كبير من التابعين بتفسير القرآن الكريم في المدينة المنورة، ومكة المكرمة والعراق.
فمن كان منهم بالمدينة المنورة يعدّون تلامذة أبيّ بن كعب رضي الله عنه، اشتهر منهم: أبو العالية، ورفيع بن مهران الرياحي، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم.
ومن كان منهم بمكة المكرمة يعدّون تلامذة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، منهم: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
ومن كان منهم بالعراق يعدّون تلامذة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، منهم: علقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، وعامر الشعبي.
ونقصر حديثنا على ثلاثة من التابعين، واحد من أهل مكة المكرمة، وواحد من أهل المدينة المنورة، وواحد من أهل العراق.

.1- سعيد بن جبير رحمه الله تعالى:

.1- التعريف به:

هو أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، ولد سنة خمس وأربعين، وسمع من جماعة من أئمة الصحابة، وحدّث عن ابن عباس، وعدي بن حاتم، وابن عمر، وعبد الله بن مغفل، وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم.
قرأ القرآن على ابن عباس، وعلى ابن مسعود، وكان فقيها ورعا.
كان أسود حبشيا، من موالي بني والبة، أبيض الخصال.

.2- علمه:

أخذ الفقه والتفسير عن أئمة الصحابة كما ذكرنا، وجمع علم أمثاله من التابعين. قال خصيف: كان من أعلم التابعين بالطّلاق سعيد بن المسيب، وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.
روي عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال: مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.